التّرجمة في البلاد العربيّة الواقع والتطلعات

ما انفكّت الترجمة وإشكالياتها تمثل مشغلا فكريّا وحضاريّا. ولم تنقطع على صعيد الممارسة عن أن تكون فعلا حاضرا، لأنّها قرينة الوجود الإنساني نفسه من حيث انبناؤه على التفاعل والتعارف بين الشعوب والثقافات، بل إنّ تأمّل تاريخ الحضارات يفضي إلى استخلاص ما يشبه القانون المطّرد، وهو التلازم بين لحظات التوثّب الحضاري لأمّة ما وبين التوجّه صوب الترجمة تشوّفا لما عند الأخر من معارف وخبرات، وتوسيعا للكيان الفرديّ والجماعي لاستيعاب الآخر وقبول الاختلاف، إذ كلّ حضارة تروم التمدّد والتوسّع مدعوّة حتما إلى فهم غيرها والانفتاح على بناه الذّهنيّة وقيمه الأخلاقية وسائر ما يتبنّاه من تصورات ورؤى حول الذات والكون والوجود الخ…

ولا يحتاج الباحث إلى العودة إلى التاريخ السّحيق كتاريخ العرب في عهد المأمون مثلا، ليستدلّ على أهمية التّرجمة، وعلى التشجيع على نقل معارف الشعوب المتقدّمة، بل يكفي أن يستحضر الباحث دعوتين حديثتين على سبيل الذكر، اتّسمتا بالإلحاح والوعي بضرورة التّرجمة. الأولى لمحمد بيرم الخامس (1840- 1889) في رسالته التي وجهها إلى المصريين يدعوهم فيها إلى إحياء حركة الترجمة، ويحثّهم فيها على ترجمة الكتب العلمية خاصّة. والثانية لميخائيل نعيمة (1889-1988) الذي نادى بالترجمة معليًا من شأنها وشأن المترجم، إذ يقول: “فلنترجم! ولنجلّ مقام المترجم لأنّه واسطة بيننا وبين العائلة البشريّة العظمى، ولأنه يكشف لنا أسرار عقول كبيرة وقلوب كبيرة تسترها عنّا غوامض اللغة، يرفعنا من محيط صغير محدود، نتمرّغ في حمأته إلى محيط نرى منه العالم الأوسع، فنعيش بأفكار هذا العالم وآماله وأفراحه وأحزانه”.

وقد باتت أهميّة الترجمة من البديهيات التي يسلّم بها الجميع، مثلما بات أمر العلاقة بين النصّ الأصلي والنص المترجم من القضايا الكلاسيكيّة، منذ أن سلّم جمهور الباحثين والمفكّرين بأنّنا حين نتحدّث عن الخيانة في ترجمة النّصوص “فإننا إنما نسلم بفكرة خيالية، فالترجمة لا يمكن أن تكون قرينا للنص الأب الذي نشأت منه، فهي تستخدم كلمات مغايرة، مأخوذة من مصدر مختلف وتستهدف بيئة مختلفة “كما يقول المترجم البلجيكي المعاصر ثيوهير مانز. وهذه العمليّة لا تغيّر النص المترجم فحسب، بل هي، حين تحوّله، إنّما تحوّل في الوقت ذاته اللغة المترجمَ إليها أيضا. وهكذا تميل التنظيرات الحديثة إلىأنّ غاية ما يطمح إليه المترجم هو إحداث آثار مشابهة بلغة الوصول انطلاقا من لغة الانطلاق، وعلى هذا النحو تمّ تسفيه القول بأنّ كل ترجمة خيانة، بل ووقع ذمّ الترجمة التي تمعن في الدقة. واعتبرت هي الخيانة الحقيقيّة للنصّ.

إن الحاجة إلى الترجمة قد أصبحت في العصر الحديث أوكدَ، وحاجة مختلف الثقافات إليها أشدّ، وذلك لسببين: الأوّل: أن العالم قد أصبح قرية كونيّة كما ذكر الباحث الكندي ماكلوهان، وهو ما يفرض فرضا تواصل الثقافات وانفتاحها على بعضها بعضا، والثّاني أن واقع العولمة يميل إلى تنميط الثقافات والأذواق، وللترجمة في هذا السياق دور مهمّ في كبح هذا الاندفاع التنميطيّ من حيث هي كما يقول المغربي عبد السلام بنعبد العالي: “استراتيجية لتوليد الفوارق وإقحام الآخر في الذات، إنها ما يفتح الثقافة، ما يفتح اللغة على الخارج”. وهو ما يساهم في إقدار الشعوب والثقافات على المساهمة الفعالة في عملية إنتاج المعنى والقيمة، أو المعرفة والسلطة، أو الثروة والقوة، كما يقول علي حرب. ثمّ إنّ هذا الواقع قد فتح قضايا الترجمة على آفاق جديدة ليست كلّها سلبية، ومنها إمكانية الاستعانة بالتقنيات الحديث فيما بات يسمّى بالترجمة الآلية، وهو محور نحتاج في هذه الندوة إلى بيان مكاسبه وحدوده، ومنها كذلك الترجمة الفوريّة، وارتباط الترجمة بالاقتصاد، كترويج السلع والبضائع، واتخاذ هذه الترجمة طابعا براغماتيا تجاريّا قد نشهد في القريب العاجل ابتكارا لوسائل وآلات لترجمة اللوحات الإشهاريّة والإعلانات الخ…

فما الذي أعددناه، كعرب، لهذه المتغيّرات العالميّة التي جعلت فعل الترجمة أكثر إلحاحا وأشدّ تعقيدا؟

لا شك أن كثيرا من المؤسسات التابعة للدول أو للخواص بعثت للانكباب على الترجمة إن تنظيرا أو ممارسة فما الذي أنجزته هذه المؤسسات والهيئات العربيّة المتخصّصة في الترجمة؟ ما الصعوبات التي تواجهها؟ وما إمكانيات تطويرها؟ وهل من جرد ممكن يوقفنا على تلك المؤسسات الرسمية وغير الرسمية؟ وما المشاريع التي انخرطت فيها وأنجزتها؟ وهل يعدّ مجموع ما نشرته من كتب مترجمة شاملا لمختلف مجالات العلوم؟ وما نصيب العلوم الدقيقة من تلك المخطّطات؟  وإلامَ يعود ضمور الجهود في ترجمة تلك العلوم، إلى اللّغة نفسها أم إلى ندرة المختصين أم إلى أسباب أخرى موصولة باللحظة الحضاريّة والثقافيّة، وهي لحظة لا اختلاف في أنها موسومة بالضعف والتأخر؟

ولعلّ جوائز الترجمة من أهم ما يميز المشهد الثقافي في العالم العربي عامة وفي دول الخليج خاصة ذلك أنها أضحت محركا حقيقيا ينشط حركة الترجمة لذلك من الضروري تسليط الضوء على إيجابيات هذه الجوائز وسلبياتها قصد مزيد دفعها إلى تحقيق أقصى المكاسب للثقافة العربية الحديثة.

ولا شك أن التطرق إلى المؤسسات الراعية للترجمة أو إلى الجوائز المخصصة لها من شأنه أن يثير علاقتها بالسلطة الحاكمة لذلك من المشروع أن نتساءل كيف تتجلّى أهميّة الترجمة في مخطّطات كثير من الدول العربيّة وخاصّة منها تلك الدول الغنيّة التي بوسعها أن تخصّص ميزانيات مناسبة لتشجيع الترجمة، ونعني خاصّة دول الخليج العريي؟

للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، نقترح المحاور الآتية لتكون إطارا للبحث في هذه الندوة:

محاورالندوة

  • الترجمة والتطوّر الحضاري في البلدان العربية: أية علاقة؟
  • الترجمة والتنمية الشاملة في الواقع العربي الحديث
  • الترجمة والتقنيات الحديثة: الآفاق والحدود
  • مؤسسات الترجمة العربيّة الرسميّة وغير الرسمية: متابعة تقييميّة لواقعها وآفاق تطويرها
  • جوائز الترجمة في الوطن العربي: قراءة تحليلية نقدية
  • مكانة الترجمة ضمن المخططات السياسية لدول الخليج

مكان وزمان إقامة الندوة

الزمن المقترح لإقامة الندوة مطلع أكتوبر القادم. وستقام حضوريًا في مقر مركز الدراسات الحضارية بالنسبة للمشاركين من السلطنة، وأونلاين بالنسبة للمشاركين من خارج السلطنة.

شروط المشاركة في ندوة الترجمة 

م البنــــد الشــــــــرط
1 الموضوع أن يكون البحث مرتبطا بأحد محاور الندوة.
2 أصالة الورقة البحثية أن تكون ورقة العمل أو البحث أصيلة لم يسبق نشرها أو تقديمها إلى جهة أخرى.
3 الشروط العلمية –       أن تتوفر في البحث شروط البحث العلمي ومعاييره.

–       أن تثبت قائمة المصـادر والمراجع مستوفاةً في آخر البحث مرتبةً على حروف المعجم، مقدما اسم المؤلف على اسم الكتاب في الهوامش وفي قائمة المصادر والمراجع.

4 الشروط الفنية –       أن يكون البحث مكتوباَ باللغة العربية المتوفرة في قائمة (Microsoft Word) على أن يكون الخط (Simplified Arabic)، حجم (14) في المتن، و(12) في الهوامش، وحواشي الصفحة 1 سم من جميع الجهات، وأن يكون ترقيم الصفحات إلكترونياً في أسفل كل صفحة.

–       ألا تقل عدد صفحات البحث عن (15) صفحة وألا تزيد عن (30) صفحة، بحجم (A4) بما في ذلك الهوامش والمصادر والمراجع.

5 تقديم الملخصات يختار المشارك المحور الذي يشارك فيه ويقدم ملخص للبحث وتعريفا موجزا عنه، متضمنا وسيلة الاتصال به في أجل لا يتجاوز 30/8/2022م مع مختصر سيرة ذاتية للباحث. ويتمّ إعلام أصحاب الملخّصات المقبولة يوم 10 سبتمبر 2022م.
6 تقديم الورقة العلمية كاملة يقدم البحث كاملاً في موعد لا يتجاوز 25/11/2022م، ويرسل البحث في شكل ملف وورد عبر البريد الإلكتروني للندوة.
7 التقييم تخضع البحوث للتقييم من قبل اللجنة العلمية للندوة، ويُخطر المشاركون المقبولة بحوثهم بذلك.
   
8 النشر تلتزم الوزارة بنشر المشاركات المجازة على نفقتها في كتاب يتضمن أعمال الندوة. وللمركز حقوق الملكية الفكرية للبحوث المقبولة.
9 المكافأة يكافأ الباحثون المجازة بحوثهم بمبلغ قدرة ( 100 ريال عماني).
10 المراسلة العنوان البريدي: “ندوة الترجمةوترسل المشاركات وجوباً على العنوان الإلكتروني التالي:

 rtpdepartment22@gmail.com وللاستفسارات هاتف رقم:91719343

 

استمارة المشاركة